عطر ينقذ روح

عطر ينقذ روح

badawi mohamed

يوميات مع العطور 
الساعة تدق السادسة صباحا بمحطة قطار سيدي جابر بالإسكندرية ، يظهر رجل خمسيني يرتدي معطف أسود طويل وخصلات شعر بيضاء ويحمل في يده حقيبة مستندات سوداء ، متجها ناحية مقهي المحطة
ويجلس علي منضدة رقم 3 بجوار زجاج نافذة المقهي ويضع الحقيبة علي المنضدة فيأتي اليه شاب يسأله بأبتسامه
حضرتك سوف تشرب قهوة الصباح الان ، فيرد عليه مبتسما هو الاخر ويقول نعم
وحين هم الشاب بالانصراف لاحضار القهوة فقال له الرجل الخمسيني لا تنسي بن محوج فاتح وبدون سكر
فرد الشاب قائلا كلنا في المقهي يعرف قهوة حضرتك كل صباح
ونعلم حضورك من رائحة عطرك المميز هذه الايام ، فيبتسم الرجل ابتسامة بسيطة ثم يمد يده ليخرج كتاب ليقرأ فيه ، وخلال دقائق يعود الشاب ومعه فنجان القهوة ويضعه علي المنضدة مع كوب ماء ثم ينصرف بهدوء
لانه يعلم ان الرجل قد غاص بفكره مع كتابه الذي يقرأ فيه يوميا عن علم نفس الإقناع
وبينما يقلب من صفحة الي التي تليها اذ يأخذ رشفة من فنجان القهوة ، ومع هذا الهدوء الذي يلف المكان ولا يزاحم هذا الهدوء غير رائحة عطره في المكان ، وإذ بصوت لشاب يجلس علي مسافة ليست ببعيدة عن المنضدة رقم 3 التي يجلس عليها هذا الرجل ، مختفيا وراء عمود ويتحدث في الهاتف مع فتاة ، وإذ ببعض كلمات الشاب يسمعها الرجل دون قصد فيسمعه يقول سارة انا أحبك وقد اتصلت بك لأودعك ليس لأنني سأسافر بل لأني أحببت أن يكون صوتك
أخر صوت أسمعه قبل أن أموت ثم يسكت الشاب برهة من الوقت ويعود قائلا سارة لا تحزني فقد حاولت كثيرا ان اتغلب علي مشاكلي وفقري ووحدتي وعدم العثور علي عمل رغم كل محاولاتي ، فقد قررت التخلص من حياتي اليوم
وهنا يترك الرجل كتابه ويمسك الفنجان ليكمل قهوتة وقد بدا مصدوما مما وصل اليه من كلام الشاب وحاول ان ينظر خلفه بهدوء ولكن الشاب كان جالسا متخفيا وراء عمود ، وبينما هو يحاول ان يري الشاب اذ به يسمعه يتكلم ويقول سارة لقد قررت الانتحار وانا في محطة القطار لألقي بنفسي تحت عجلات القطار وهو يدخل الرصيف ، حتي انني اشم رائحة في انفي قريبة من رائحة ابي التي كنت اشمها عليه دائما كأنه ينتظرني كي اذهب معه من هذه الحياة بعد ان عشت وحيدا ، وهنا ينتبه الرجل بأن العطر الذي يرتديه هو ما يشمه الشاب معتقدا ان رائحة ابيه قد التفت حوله معلنة له عن قرب الرحيل ، فيقوم الرجل متجها الي الحمام متعمدا حتي يري هذا الشاب ويرمقه بطرف عينه وهو يمر مسرعا الي الحمام ويمكث داخله قليلا يفكر ماذا يفعل لينقذ هذا الشاب ، فيرسم خطة في رأسه ويخرج وبينما هو يسير بجانب منضدة الشاب اذ اسقط من يده متعمدا ميدالية مفاتيح وعند محاولته التقاطها من علي الأرض بجوار منضدة الشاب ، اذ التقطها الشاب ليعطيها الي الرجل وبين انحناء ظهر الرجل وعودته مستقيما اذ به يضع يده علي رأسه كأنه انتابه دوار فيلاحظ الشاب ما ألم بالرجل ويقوم ويجلسه علي الكرسي علي منضدته فيجلس الرجل ممسكا برأسه قليلا من الوقت ، ثم ينظر الي الشاب ويشكره ويعتذر له انه تسبب له في بعض القلق ، فيقول له الشاب اطلاقا لم يحدث أي شيء ويطلب الشاب من الرجل ان يستريح ولا يقوم ، فينادي الرجل علي الشاب الذي يعمل بالمقهي وطلب منه ان يحضر له حقيبته وكتابه من علي منضدته ، ثم يطلب من عامل المقهي ان يحضر له فنجان اخر من القهوة ويسأل الشاب ماذا يشرب فيشكره ويقول لا اريد فيطلب له الرجل قهوة ويقول للعامل بالمقهي من نفس البن المحوج ولكن سكر زيادة ، ثم يقول للشاب اعتذر انني افسدت عليك وحدتك ولكني اتي الي هنا يوميا استقل القطار للقاهرة عدا يوم الجمعة لانني اعمل أستاذا بالجامعة في علم الكيمياء ، وبينما الرجل يتحدث مع الشاب فيأتي عامل المقهي بالقهوة لهما
ثم يقف بجوار الرجل ويقول دكتور كنت حابب اعرف اسم العطر بتاع حضرتك لانه جميل ، فيبتسم الرجل ويقول هو عطر اسمه
( أمبر دي الكسندر من دار بوشرون ) وهو عطر مميز يحتوي علي الفانيليا والتبغ والعنبر والمسك يعطيك شعور بأنك مميز وجذاب ويحبه الرجال والنساء ويمكن ارتداءة للرجال والنساء
وهنا تلمع عين الشاب الذي كان يتكلم عن الانتحار ويندهش وتظهر في عينة دموع محاولا ان يداريها ، فيتكلم الرجل مع عامل المقهي ويقول له سأحاول ان احضره معي مره لتجربه بنفسك ويشكره ، فيبتسم عامل المقهي ويشكره وينصرف ، وهنا ينظر الرجل الي الشاب ويقول له لقد رأيتك مندهشا وانا أتكلم عن العطر فرجعت لمعة الدموع لعين الشاب ولكن هذه المرة لم يستطع ان يمسكها ، فسأله ما سبب هذا الحزن ، فرد عليه لقد تذكرت ابي بهذا العطر فهو كان يشرب البايب ويضع عطر قريب من رائحة هذا العطر وقد مات بعد ان خسر تجارة كبيرة كانت له
فبادره الرجل وسأله وأين تعمل انت فأبتسم ابتسامة ساخرة وقال لا اعمل وكلما أتقدم الي عمل لا يتم قبولي
فقال له وماهو مؤهلك فقال بكالوريوس علوم فقال الرجل رائع ، فأندهش الشاب فقال له الرجل الم أقول لك اني أستاذا جامعيا في علم الكيمياء ، ولي صديق يملك شركة ادوية وسأحدثه عنك حتي تعمل معه ، فأندهش الشاب وبكي متأثرا فقال له الرجل ما يبكيك فقال لقد نزلت اليوم وانا افكر في الانتحار تحت عجلات القطار ، فقال له الرجل مندهشا وحزينا كأنه لم يسمعه  لماذا تفكر بالانتحار
أ لهذا الحد انت تشعر بالإحباط ، فقال نعم انا أصبحت وحيد وفقير ولا اجد عمل ، حتي انني وانا اتحدث الي خطيبتي قولت لها انني اشم رائحة ابي كأنه اتي ليأخذني من هذه الدنيا ، ولم ادرك ان هذه الرائحة هي رائحة عطرك يا دكتور
فرد عليه وقال انت تعرف ان العطور ترتبط داخلنا بالذكريات وتترك اثرا اشد من أي مؤثر اخر ، وانت كيميائي وتعرف ان العطور تتفاعل مع كيمياء اجسامنا وتعيدنا الي ذكرياتنا الجميلة وانها تساعدنا علي تحسن المزاج ، فقال الشاب لقد احستت عندما وقعت الميدالية من يدك ان ابي يقف بجواري وتحركت داخلي كل الذكريات الجميلة والحياة السعيدة
فقال له الرجل هيا بنا لنذهب الي صديقي معا وسأعتذر اليوم عن محاضراتي ، وطلب منه ان ينتظره حتي يدفع قيمة المشروبات ويجري اتصالا ، وبالفعل تحدث مع صديقه وافهمه امر هذا الشاب وانه يريد ان يساعده ليعمل ويبتعد عن فكرة الانتحار ، وهما في الطريق اخذ يحدث الشاب عن الامل والنجاح حتي أحاط الشاب بطاقة إيجابية كبيرة ، ثم طلب منه ان يتصل بخطيبته ويخبرها ان رائحة عطر كانت سببا في ان تنقذ روحه

عزيزي القاريء لا تعتبر العطر مجرد رائحة جميلة فقط ، ولكن احرص علي ارتداء عطر يوميا فقد تكون سببا في انقاذ روح

Leave a comment

Please note, comments must be approved before they are published

NEW ARRIVALS